الاثنين، 17 أكتوبر 2011

عودة المعاني المهاجرة



“أتخرج هذه القبائل من صمتها الكهفي
تعلن أعراسها الفوضوية
تستل أسيافها
تستبيح المدارات
تفتضح بكارة أوجاعنا
وتصنع من دمها دعوة
للذي لا يجيء… أن لا يجيء”
“أحمد الزبيدي”
* * *
وتجيء السماء… رذاذاً فمطراً، يحمل البشائر ويهمس للجذور بالسر الخالد: إننا لم نعطك إلا النماء، أما التطور فهو رهن إرادتك الحرة، أنت تحمل فيك جراثيم الحياة. وصار اللقاح فبدأ التكوين في الوطن الخصب. ولكي يستمر النماء، ويبدأالتغيير، كانت الحرية الشرط الأساسي، تلك الصفة الملازمة للإنسان، الممتزجة بوجوده، ودفاعاً عن الحرية والوجود.
يصرخ الطفل في قماطه، وتنجرح حناجر العصافير في الأقفاص، تنهار السدود أمام الأنهر المحبوسة، وحمم البراكين، إلا تحطم طبقات الأرض الصلبة. وهكذا الجماهير عندما تزمجر غاضبة على من يريد اغتصاب وجودها، حريتها.
* * *
يميل المترفون دائماً إلى البحث عن متع شاذة لا تتوفر إلا باستعباد الآخرين، وسلب حريتهم، فتبدأ ممارسات التسلّط والقمع، ويعبُر الفرد والمجتمع ككل بمرحلة استسلامية يغلب على الناس فيها الشعور بالضياع واللاجدوى والدونية والخوف، حتى ليعجب المرء لحال هذه الأمة أو تلك، ويتساءل عن سبب خضوعها.
إن تلك الفترة من حياة الشعوب هي في حقيقتها تفضيل وقتي لحالة الانقياد، حيث يتوفر الاسترخاء واللامسؤولية والبلادة. وهي صورة من صور المازوكية كما يسميها علماء النفس. إلا أن الشعوب لا تلبث أن تستيقظ وتثور على واقعها معلنة بداية الصراع والتحدي.
وهكذا نرى أن حالة الوعي الداخلية هي التي أدت إلى خلق طموحات التغيير، من حالة الانقياد والضياع والدونية إلى حالة الإنسان الحر، حامل رسالة الخير والعطاء والإبداع. فالتحدي الخطير الذي يواجه طموحاتنا ليس في وجود سلطة قمعية، فهي لا تستطيع مهما بلغت من قسوة ووحشية أن تقف في طريق طموحات الجماهير في التاريخ، إنما التحدي كامن فينا، داخل مواقفنا الشخصية، ونحن الذين نعطي انتصاراً لتلك السلطة، فساحة المعركة إذن هي داخل أنفسنا.
* * *
وينتصر الإنسان العربي على نفسه، وتبزغ الأصباح فيتواصل الخلق في الوطن الكبير، وترحل الأصداء مرددة أغاني الحياة، أغاني الحرية. وحين تعزف جماهير الوطن الكبير لحن الزحف المقدس، تحترق المراحل، وينصهر الزمن، فتتوالى انفجارات الخلق، لتلغي كل الأبعاد. فالنيل لم يتوقف أبداً، وما “سعد” إلا ضمير الملايين في أرض الكنانة الحبلى دائماً بالأمل.
وحين تثبت براءة الوطن من جريمة العقم، وحين تعجز رمال صحرائنا عن طمس الطريق، فإن المعاني المهاجرة منذ زمن بعيد لا تلبث أن تعود لكلماتها، ولا يلبث الجزء أن يكون كلاً في بحر الوطن الغاضب، وفي هذا الواقع الجديد، يكسب الدمع طمعاًآخر.
* * *
“وأسأل طعنة الجلاد في أجساد موتانا
وأسأل ربنا المعبود… والحكمة
لماذا تسكن الأفراح في دمعة”
“فآه… أنت لو تدرين ما حلمي
وآه… أنت لو تدرين
أن الليل مشتاق إلى فجرك
وأن طريقنا يغرق
بوحل من مدامعنا
فقومي… نوقظ الثورة”.
12/3/1980

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق