الاثنين، 17 أكتوبر 2011

خلوا عنكم شغل الدغلباز


أرجو السموحة من القراء اللي يضيعون وقتهم في قراءة الهذربان اللي أكتبه، وأطلب منهم المعذرة إذا لاحظوا هذه المرة أني استغليت طيبتهم وصبرهم عليّ، وسمحتُ لجدتي أن تستخدم هذه الصفحة لتعبر عن رأيها وملاحظاتها حول بعض القضايا المصيرية لوطنها ووطننا جميعاً، وهي كمواطنة إيجابية “منتجة”، كما تدعي، من حقها أن تقول ما تشاء، وهي بالمناسبة، ما تعترف بقانون المطبوعات والنشر ولا حتى بالدستور المؤقت، لهذا فأنا مضطر أن أحجب عنكم الكثير مما تعرض له لسانها الطويل الجريء وفكرها المتحرر من كل القيود.

تقول الجدة أنها ما تتكلم عن نفسها وأنها مخولة من قبل أكثر من عشرين ألف “حرمة” من جيلها. (ما كنت أعرف أن لجدتي نشاطات نقابية إلا اليوم، ولا يجب أن يغيب عن بال المسؤولين ما في ذلك من مؤشرات سياسية، وهذا ينبهنا إلى ما بلغه التذمر من سوء الأوضاع).
أول موضوع في العريضة المقدمة من العشرين ألف حرمة على لسان الجدة النقابية تقول فيه أن بلادهم اختربت، وحياتهم استوت ما تنطاق من كثر “اللوث” اللي مازرين السكيك، تقول: أنهم “ظارين” ومتعودين على الدوارة وزيارة المعارف والأصحاب وما يمر يوم ما يتزاورون فيه، والحين تقول ما يقدرون يخطون من عتبة الحوي، والحرمة تخاف على نفسها من هذيلا “الرغود” اللي مازرين السكيك، ودوم يسمعون بالحرمة اللي “أزغفوها” وهيه سايرة تزور يرانها، وركبوها في سيارة واشتلوا بها، وغيرها وغيرها من البلاوي.
تقول “النائبة”: هذا ما صار حال، ما ندري فلانة حية ولاّ ميتة، وفلانة شو أحوالها ويا هذا الزمان، وفلانة الجنيحة ما ندري إذا مقصرة من شيء من أمور الدنيا، ناس وايدين ما يخبرون بأحوالهم، كرامتهم وأنفتهم ما تخليهم يشكون أحوالهم للناس. تمر أيام والضو ما يلبق في بيتهم. أمثال هذيلا الناس اللي نفوسهم عزيزة مالهم إلا نحنا. متعودين نمر عليهم ونتبادلالمقسوم بستر ولا يعلم إلا الله. (لم توجد وقتها الجرايد والإذاعات والتلفزيون لتحطيم عزة النفس تلك وتذل الكبرياء بما تذيعه وما تكتبه من أسماء المواطنين من ذوي الحاجة، ولا كانت هناك تجمعات لصرف المعونة الاجتماعية، ومعذرة لمقاطعة العجوز). والحين تقول أصبحت لبلاد مب مأمونة، وكثرت الجرايم، وصرنا نخاف على نفسنا، ولو نحنا عيايز، لكن إشدراهم إنا عيايز ونحنا متغشين ولابسين “سويعياتنا” وبناتنا “بعبيهن” (بناتها يعني أمي وخالتي ومن في سنهن).
وعلاجاً لهذه المشكلة فهي (أي جدتي) تطالب المجلس الأعلى، فوراً وفي الحال، باستئجار الطيارات والمراكب واللنجات اللي داحبة الخيران، وإرجاع كل إلى بلاده، معزز ومكرم، ولا نبغي عماير ولا مصانع، (قاطعتها سائلاً عن الإخوة العرب) فقالت: هذيلا منا وفينا وما نحاف منهم، ما عليه، خلوهم يعلمون عيالنا ويعالجون مرضانا. وأما غيرهم فنحنا ما نحتاج لهم، ظارين نخدم عمارنا وانسوي كل شي، البشاكير في البيوت ما نباهم، طول حياتنا ونحنا نطبخ ونغسل وانربي عيالنا وما جد سمعنا باسم المربيات. بيوتنا نخمها كل يوم ومتى السكيك اللي حول البيت، و”المكاش” و”العساوة” وايده، وما تحتاج لعمال البلدية. وكنا حتى التراب اللي في الحوي نبدله، نسوقه وانجبه على البحر وانشل التراب النظيف “بأجفر” على روسنا ونمزر به الحوي. والخياييط ما نباهم، ثيابنا وثياب عيالنا نخيطها بأيدينا وانسوي “البدل” و”البراجع” وبناتنا ظاريات كل وحده “بكاجوجتها” واللي يزيد نهديه لأصحابنا. وطوايج الخلقان اللي تينا من الهند تسدنا، الويل والبريسم والخامات الطيبة، بوتيله، والحسني بنطر، وشمس وظله، مب هذي الثياب اللي جنها يلد عفريت اللي صافينها في الدكاكين، وغاوين بها بناتنا يسوقون البيزات لاصحاب المحلات هذي. ما نبغي دكاكين ولا معارض ولا تخلون حد يورد لنا هذي السراريح الحايسة.
والخبازين وش حاجتنا بهم وبحراقهم اللي ماله طعم ولا ذوق، جنك تاكل خوص، روحنا بنسوي المحلا والجباب والخميروالركاك والقرص المفروك، وبنسوي الخبيص والبثيث والعصيد. حد يصدق إنا عندنا كل هذي الأصناف وغيرها للريوق بس، ونودرها؟ ما نبغي خبابيز ولا نبغي مطاعم وصواط المطاعم، خلوهم يردون بلادهم ويسامحونا لأن ما عندنا لهم شغل. ولو فكرتوا في القوم هذي اللي هجمت علينا وفكرتوا في الأشغال اللي يالسين يسوونها، جان شفتوا إنا مول ما نحتاج لهم، لكنها البطرة اللي تزيل النعمة.النقطة الثانية في عريضة الاحتجاج المقدمة للحكومة من جدتي ومن تمثلهم، تتحدث عن شيء آخر. تقول: كيف يسوون سواياهم ولا يشاورون ولا يناظرون. جنه لبلاد ما فيها حد. ولو شاورونا ما وصلنا إلى هذا الحال اللي ما يسر الصديج، خلوا الأعدا يشمتون علينا.
تقول: لو شاورونا ما خليناهم يسوون هذي المصانع والعمارات ويفسفسون بيزاتنا في شي مب عدل، وما يجيب لنا إلا البلاوي والمصايب. ولو شاورونا جان ما خليناهم يكودون الحصى على السيفه ويسوون هذا اللي يسمونه “الكورنيش”، وغلبتنا الحين ترابة البحر الغاوية النظيفة اللي بنترس بها حوينا، ولو شاورونا لا الله باترولنا ما نقبل يبيعونه بهذي الجيمة، ولا نقبل يهرجونه وباجر يخلص عنا وعن عيالنا. ولا نقبل يبيعونه على أعدانا اللي يذبحون إخوانا الفلسطينيين واللبنانيين. هذي كلها أمور ما يرضى بها الله ولا رسوله.
تردف جدتي نيابة عن العشرين ألف من جيلها: نحنا نقول لكم من الحين ونشهد الخلق كلهم، إنا ما نقبل ولا نسمح أن يتم شي، إلا بعد شورنا ومراجعتنا وقبولنا. مب اتسوون لحريمكم “شاورها وعصها” ترى “كل أرض وشربت ماها”.
يقول مدعو المعرفة وفلاسفة العصر في هذا البلد أن الديمقراطية لا تصلح لنا لأنها مستوردة من الغرب وأن أهل البلد غير مؤهلين لها، فما رأيهم في النقطة الثانية من عريضة الجدة النقابية؟.
نشر في الأزمنة العربية 4/6/1980

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق